ولا السيد منهم من العبد، وإذا حضرت الصلاة، لم يتخلف منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء، ويخشعون في صلاتهم".
وإن شئت شاهداً على أن استقامتهم كانت قائمة على خشية الله، لا على الخوف من رئيسهم الأعلى، فذلك عمير بن سعد عاملُ عمر بن الخطاب على حمص: وفد على عمر، وسأله عن أشياء، ثم قال له: عد إلى عملك. فقال: لا تردني إلى عملي؛ فإني لم أسلم منه. حتى قلت لذمي: "أخزاك الله"، ولقد خشيت أن يخصمني له محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد سمعته يقول: "أنا حجيج المظلوم، فمن حاججته، حججته"، ولكن ائذن لي إلى أهلي، فأذن له، فأتى أهله (١).
ثالثها: حكمة طرق الدعوة، فإن القرآن الكريم أرشد الدعاة إلى الأخذ بالحكمة والموعظة الحسنة، وأمرهم أن يتحروا في مجادلاتهم أحسن الطرق.
قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: ١٢٥] ومن ينظر في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجده يأخذ في الدعوة بالطرق التي تجعلها مالوفة للعقول، قريبة من القلوب، فكان يعرضها في لين من القول، ويخاطب كل قوم بما يفهمون، ولا يخاطب أحداً إلا بما يحتمله عقله، وينظر إلى النفوس وما يلابسها من علل وشبهات، ويضع كلامه موضع الدواء الناجع.
وانظر قصة دعوته عدي بن حاتم حين دخل عليه في المسجد، فأخذ بيده، وانطلق به إلى بيته، وأخذ يدعوه إلى الحق، ويعالج ما في نفسه من شبه، ويزيحها في رفق، ومما يروى في هذه القصة: أنه قال له: "لعلك إنما يمنعك