حيادتهم، وإعلان الحرب على من وقف موقف العدو الذي لا يرعى عهداً، ولا يقبض يده عن شر.
ومن درس غزواته - صلى الله عليه وسلم -، وسراياه، وجدها إما حرباً لعدو لم يدع أذى وصلت إليه يده إلا فعله؛ كغزوة بدر، أو دفاعاً لعدو مهاجم؛ كغزوة أحد، وغزوة حنين، أو مبادرة لعدو تحفز للشر؛ كغزوة بني قريظة، وغزوة المريسيع، وغزوة دومة الجندل، وغزوة ذات السلاسل، أو كسراً لشوكة عدو نقض العهد، وعرف بمحاربة الدعوة، واتخذ كل وسيلة للانتقام من القائمين بها، والقضاء عليها؛ كفتح مكة.
حارب - صلى الله عليه وسلم - أولئك الأعداء، وكان يحاريهم في جانب عظيم من السماحة، فنهى عن قتل النساء والأطفال والشيوخ، ونهى عن المثلة، وكان يمضي كل تأمين يصدر من أحد من المسلمين لبعض المحاريين، ولو صدر التأمين من امرأة أو عبد (١)، وقال:"ويسعى بذمتهم أدناهم"، وكان يوصي بالإحسان إلى الأسرى، وقد يطلق سبيلهم من غير فداء؛ كما أطلق سبيل سبعين رجلاً من المشركين هبطوا عليه في صلح الحديبية يريدون غرته؛ وقد أشار القرآن المجيد إلى هذه القضية، فقال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}[الفتح: ٢٤].
وإذا عقد مع قوم عهداً، حافظ على العهد إلى أن ينقضوه بأنفسهم، ومن أظهر المثل التي نسوقها على هذا: قصة أبي رافع الذي بعثه إلى قريش؛
(١) أعطى عبد يدعى مكنفاً الأمان لجيش حاصرهم أبو سبرة، فتمسك به الجيش، وكتب أبو سبرة بذلك إلى عمر، فكتب إليهم: "إن الله عظَّم الوفاء، فوّفوا إليهم"، فوّفوا لهم وانصرفوا عنهم."تاريخ الطبري".