فإنه لما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقع في قلبه الإيمان، وقال: يا رسول الله! لا أرجع إليهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ارجع إليهم، فإن كان في قلبك الذي فيه الآن، فارجع".
ونص الفقهاء على أنه لا يقتل المعتوه، ولا الأعمى، ولا الزَّمِن، ومن الفقهاء من يقول: لا يقتل الأعمى والزمن، ولو كانا ذوَي رأي وتدبير.
وما زال - صلى الله عليه وسلم - يدافع أولئك المعتدين على الوجه المذكور آنفاً، إلى أن شرعت الجزية في السنة الثامنة أو التاسعة للهجرة، ونزل قوله تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: ٢٩] فأخذ الجزية من النصارى واليهود والمجوس. أخذها من نصارى نجران، ومن اليهود الذين كانوا باليمن، ومن المجوس الذين كانوا بالبحرين، أما محاربته ليهود المدينة، فكانت قبل شرع الجزية.
واختلفت أنظار الفقهاء فيمن تقبل منهم الجزية، وقد قرر جماعة منهم: أن الجزية تقبل من كل مخالف، ولو لم يكن من أهل الكتاب، قال ابن حجر في "الفتح": "وقال مالك: تقبل الجزية من جميع الكفار إلا من ارتد، وبه قال الأوزاعي، وفقهاء الشام". وقال ابن القاسم من أصحاب مالك:"إذا رضيت الأمم كلها بالجزية، قبلت منهم"(١). وإذا لم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها من عبدة الأصنام، فلأن مشركي العرب أسلموا قبل نزول آية الجزية؛ لأنها إنما نزلت بعد غزوة تبوك، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فرغ من قتال العرب،
(١) يقابل هذا مذهب الإمام الشافعي أنها لا تقبل إلا من النصارى واليهود والمجوس. وقال أبو حنيفة: تؤخذ من أهل الكتاب وغيرهم من الكفار وعبدة الأصنام من العجم دون العرب.