للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القبيلة التي يسلم رؤساؤها من غير حرب؛ فإنه يتركهم يدعون بقية قومهم، ويرسل معهم من يدعو عامتهم بالحكمة والموعظة الحسنة.

ومن أسلم في البلاد التي تُقبل من أهلها الجزية لا يصح أن يقال: إنه أكره على الإسلام؛ لأن له سبيلاً إلى البقاء على دينه، وعدم الدخول في الإسلام، وذلك السبيل هو إعطاء الجزية، وليست الجزية بالشيء الذي يضطر الشخص إلى الخروج عن دينه؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر معاذاً إذ أرسله إلى اليمن أن يأخذ من كل محتلم ديناراً، أو قيمته (١)، وهذا المقدار اليسير إنما يؤخذ من الرجل البالغ القادر على أدائه، ولا يؤخذ من امرأة، أو صبي، أو فقير عاجز عن الكسب.

وكذلك نرى الخلفاء الراشدين في فتوحهم لم يحملوا أمة على الإسلام، بل كانوا يخيرون الأمم بين الإسلام والجزية والمقاتلة، وفي حديث المغيرة ابن شعبة لعامل كسرى: "أمرَنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله، أو تؤدوا الجزية".

وماذا يقول هؤلاء الذين يزعمون أن الإسلام انتشر بالسيف إذا نظروا في مسلمي الصين، وجاوة، وغيرهم من الأمم التي دخلت الإسلام بمجرد الدعاية؟! وقد اعترف بعض منصفي الأوربيين بهذه الحقيقة، مثل: (السير توماس أرنولد) حيث قال: "لا يعرف الإسلام بين ما نزل به من الخطوب والويلات خطباً أشد هولاً من غزوات المغول، فقد انسابت جيوش جنكيز


(١) اختلف الفقهاء بعد في تقدير الجزية؛ ومنهم من يقول - كالمالكية -: تخفف عن الضعيف بقدر ما يراه ولي الأمر.