وسافر عن وسامة يكتنفها جلباب حياء وحشمة، كثير الأناة، ظاهر الشفقة، عطوف، مخفوض الجناح، مائل إلى الخير بفضل السجية، فأنست العامة بقربه، وسكنت الخاصة إلى طيب نفسه، وحمد الناس فضل عفافه، وكلفه بما يعنيه من أمره، وكان مع هذه المزايا مثلاً في الفروسية، قال بعض مادحيه:
إن ألمَّتْ هيعةٌ طا ... ر إليها غير وانِ
يصدع الليل بقلبٍ ... ليس بالقلب الجبان
وأختم حديثي هذا بحديث ملوك تقلدوا في أوائل شبابهم ولايات كانوا فيها مظهر اليقظة والحزم، وتولوا الملك بعده، فساروا فيه سيرة عبقري زادته التجارب خبرة بطرق السياسة الرشيدة.
ومن هؤلاء الملوك: هشام بن عبد الرحمن الداخل "مؤسس الدولة الأموية بالأندلس"؛ فقد كان والده عبد الرحمن يوليه في صباه الأعمال، ويرشحه لولاية الملك، ولما توفي عبد الرحمن، تولى هشام الخلافة وعمره ثلاثون سنة، وكان يذهب بسيرته مذهب عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -.
ويدخل في نظم هؤلاء الملوك: عبد الرحمن بن الحكم الأموي، وكان أبوه الحكم يوليه قيادة الجيوش العظيمة في الأندلس وهو ابن خمس عشرة سنة، فيهزم الأعداء، ويعود ظافراً.
وأذكر من هذا القبيل: تميم بن المعزّ بن باديس، فوض إليه والده المعزّ ولاية "المهدية" وهو في سن الثالثة والعشرين، وتولى الملك بعده وهو في سن الثانية والثلاثين، وكان حسن السيرة، محمود الآثار, معظمًا لأرباب الفضائل، وقصدته الشعراء من الآفاق، وكان هو نفسه معدوداً من طبقات الأدباء. ومن شعره: