لهم أن يكونوا أبعد من أعداء الحق عن الوهن والضعف؛ لأن المؤمن الذي يرجو الحق، ويعيش له، ويعد نفسه لإعلانه ونصرته، يجب أن يكون من أبعد الناس عن الوهن في سبيله.
ومن هنا يتبين لنا: أن الشجاعة العسكرية وليدة الشجاعة الأدبية، لأن كلا نوعي الشجاعة منبعث عن الولاء للحق، وتوطين النفس على إقامته ونصرته. وإن الرجل الشهم الذي يوطن نفسه على الدفاع عن الحق، ويؤدي الشهادة الصادقة على نحو ما علم، دون أن يهاب ذا جاه أو سطوة، لا يقل عن البطل الصنديد في موقفه بساحة الحرب أمام نيران العدو مدافعاً عن حق أمته وملته ووطنه.
إن المسلم الذي يعلم أنه لم يكن مسلماً إلا بشهادة الحق:"لا إله إلا الله" يوطن نفسه على أن ألا يشهد إلا بالحق، ولو على نفسه وعلى والديه في كل المواقف، متمثلًا دائمًا في ذهنه أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- للمسلمين:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}[البقرة: ٢٨٣].
ولما ربى الإِسلام أبناءه على إقامة الحق ونصرته ومحبته، والشهادة به والإعانة عليه، ربى فيهم بهذه السجية خلق الشجاعة في النفوس، فأخرج منهم أمة لا تهاب الخطوب، وترى الموت في سبيل إعلاء كلمة الحق خيرا من ألف حياة يقضيها صاحبها في مشاهدة الباطل يمشي في الأرض مرحاً.
انظروا إلى قول الخليفة الأول أبي بكر الصديق في وصيته لقائده العظيم خالد بن الوليد:"احرص على الموت، توهب لك الحياة"، فباقتحام موارد الموت في سبيل إقامة الحق تبرهن الأمة على أنها جديرة بالحق، وبهذا