جانب الملك رجلاً لا يؤتمن على الدولة، ولا تهمه مصلحة الملة، فختم الطرطوشي موعظته بالحديث عن ذلك الرجل غير المؤتمن، وأشار إليه بيده، فلم يكن من الملك الأفضل - لما استشعره من صدق الإمام الطرطوشي وغيرته على الحق وشجاعته في إعلانه - إلا أن أمر ذلك الرجل الجالس إلى جانبه بأن يتنحى عن ذلك المقام.
إن الأمة الضعيفة المستكينة لا تستحق الحياة، وهي لا تقوى وترتقي وتعتز إلا إذا شاع في أفرادها - ولا سيما شبابها، خصوصًا المثقفين منهم - خلق الصدق، ومحبة الحق، وتوطين النفوس على نصرته، والصراحة فيه، والدفاع عنه. ومن هذا الخلق يولد الجيش الباسل الذي لا يغلب، بل من ذلك الخلق يولد الجيل الفاضل الذي لا يطمع في حق غيره، ولا يطمع غيره في حقه. والحق شطر الإِسلام، بل هو عظامه التي تقوم بها بنيته، أما الشطر الآخر، فهو الخير، وهو في مقام اللحم والشحم من بنية الإِسلام. ولم يرد في الإِسلام أمر ولا نهي إلا وهو يرجع إلى شعبة من شعب الحق، أو إلى شعبة من شعب الخير. والمسلمون لن يعودوا كإخوانهم الذين حملوا لواء الحق، ونشروا قانونه في الأرض، إلا إذا تضلعوا من معين الحق، وارتووا من موارد الخير، فأصبحوا يعرفون بين الأمم بأنهم أمة الحق والخير، وحينئذ يكون منهم الجيش الغالب الظافر الذي يقتحم كل عقبة تحول بينه ويين الحق، ويجتاز كل مخاضة تمنعه من الوصول إلى أهداف الخير.
وكما ينبغي أن يجهز الجيش بالدبابات والمدافع الضخمة، والطائرات النفاثة والقنابل الذرية، فإن كل هذه المعدات لا تنفعه إن لم يستمد جنوده وضباطه من أمة تربت على الصدق، وآمنت بالحق، ووطنت نفسها على