ومنهم من يتلبس بتلك العقائد والآداب، تبعًا للبيئة، وجريًا على عادة البيت الذي شبّ فيه، والجماعة التي اتفق له لقاؤها، وارتبط بمعاشرتها، وهذا الفريق متى انتقل إلى بيئة غير شرقية، واندمج في أقوام يخالفون الشرقيين في عاداتهم وتقاليدهم، لا يلبث أن تأخذ نفسه حالة غير حالتها الأولى، فينفر ذوقه الجديد أن يشاهد رجلاً يؤدي فريضة الصلاة، أو يتناول الطعام بيده اليمنى، ويجمل في نظره أن تبرز الفتاة إلى المحافل العامة حاسرة عن صدرها، بعد أن كان يراه حسبما تقتضيه تربيته الأولى عملاً غير لائق.
قد يفتتن هذا الفريق بمحاكاة الأجانب، ويطوي ضميره على أن ينقل جميع تقاليدهم ومظاهر عاداتهم إلى أمتنا، ويسعى في السر والعلانية إلى أن يغير مزاجها النفسي والاجتماعي، ويقلبه إلى مزاج الأمة التي نشأت فيها نفسه نشأة أخرى، واكتسبت فيها صبغة لا شرقية ولا غربية، كأنه لا يشعر بأن تجرد الأمة من مميزاتها، وتطوُّحَها في تقليد غيرها إلى هذه الغاية، علة من علل موتها، ومرونتها تحت مؤثرات من تقلده، ولا سيما حيث تكون له السلطة الغالبة على أمرها، والرأي الذي لا يستقيم مع إرادتها.
لسنا ممن يزدري مدنية أوربا وعلومها النافعة ومخترعاتها البديعة، وإنما نطالب الفريق الذي يحط رحله في تلك البلاد أن يكون من رصانة العقل وحكمة الرأي بحيث يميز الطيب من الخبيث، ويفرق بين ماله مدخل في رقي الأمم وسعادتها، وبين ما ينشأ عن مجرد الذوق، وطبيعة البيئة الخاصة.
نقضي العجب من القوم الذين يفتنهم كل شأن من شؤون البلاد الغربية، ولكن ماذا تقولون في أفراد بعثوا إلى تلك البلاد ليشهدوا معارف ونظامًا، فقضوا الأجل فيما قضوا، ثم انقلبوا إلينا وقد تأهبنا لنقتبس منهم علماً، أو