نلاقي أدباً، أو غوصاً في أغوار السياسة، فما راعنا إلا أن قالوا: أفرغوا قلوبكم من التوحيد الخالص، واجعلوا مكانه إلحاداً، وانزلوا في أحوالكم الشخصية على حكم القانون الإفرنجي؛ فإنه أقرب عهداً من كتاب ربكم وأحكم وضعاً. ولولا أنهم يدعوننا إلى الإلحاد، لقالوا: أقيموا الصلاة في مساجدكم مثلما رأيناها تقام في المعابد بأوربا؛ فإنها أبدع طرزاً، وأشد انطباقاً على المدنية الحديثة.
ولقد جُسنا خلال أوربا كما جاسوا، فرأينا: صفواً وكدراً، ونظاماً وخللاً، وأدباً وسفهاً، وتدينا وإلحاداً. فما بال هؤلاء الأفراد يكتمون الحقائق، ويقولون: كل ما في البلاد الأجنبية نظام ومدنية راقية. وسيقولون - بل قالوا -: لا نظام ولا مدنية إلا مع الإلحاد!
نشرت "صحيفة الأمة الغراء" مقالا ذكرت في نسقه نبذة من مزايا الدين الإِسلامي وتعاليمه المحكمة، ووصلتها ببيان تأثيرها في سعادة الحياة، وإحراز الأمد الأقصى في معارج السيادة. فكانت تلك الجمل كالغصة في لهاة أحد المتملصين من جلال هذا الدين كما يقولون، فأوردها في "جريدة الاستقلال"، وقال ملاحظاً عليها ومعلقاً:
"مهما يكن من أمر الأديان وما فيها من تربية وآداب وأخلاق، وتمسك أهلها بها، فإنها لم تكن يوماً مانعة من أن يحكم غيرهم من المستعمرين، سواء كانوا من أهل الأديان السماوية، أو سواها، بل لو أننا أخذنا بنظرية الكاتب (يعني: صاحب جريدة الأمة)، لما وجدنا مبرراً لتغلب الحكومات الإِسلامية بعضها على بعض. وكلها ذات دين واحد، وعقيدة واحدة، بل ربما كان الفاتح المستعمر أبعد عن الدين ممن يقع فريسة بين يديه".