ما رمَّ من الأخلاق، ونبني به ما تهدم من الشخصيات، خصوصاً في هذا العصر الذي أصبحت فيه مدارسنا المصرية لا تعتبر إلا معسكرات علمية - على حد تعبير سعادة وزير المعارف في مذكرته عن التعليم الثانوي (ص ٢٩) -, أجل: إنها معسكرات، ولكن لا تخرج - بالأسف - إلا جيوشاً جرّارة أكثرها عاطل لا يجد عملاً, وزاد الطين بلة: أن هذه الجيوش الجرّارة تعوزها القوة المعنوية أشد مما تعوزها القوة المادية، ويصيبها خراب نفوسها، وإفلاس أخلاقها بأفظع مما يصيبها خراب بيوتها، وإفلاس أيديها، ولم يقف المرض- واأسفاه- في منطقة معينة، بل تفشى وسمم الجو كله، فإذا مخازي الأخلاق تفضح مصر، وتسود وجهها كل وقت، وإذا كثير من أولادنا وفلذات أكبادنا نرى مصارعهم اللاطمة على قارعة كل طريق، فمنهم ضحايا التضليل والتبشير، ومنهم حطب الزندقة والإلحاد، ومنهم ذبائح الانتحار وصرعى الخمور، ومنهم فرائس التخنث والبغاء، ومنهم خراب الدور وسوس الأموال، ومنهم نكد الآباء والأمهات، وداء المعلمين والمعلمات.
هذا شأنهم في عهد الثقافة والتعلم، فإذا تخرجوا، ونزلوا ميدان الحياة العملية، نزلوها بأسلحة مفلولة لا تأتي إلا بالهزيمة؛ لأن عواتقهم رخوة لم تربها المدرسة لتحمل أعباء العمل، ولم يصنعها منهج التعليم للكفاح والنضال. فأنت تراهم إذا دعاهم الواجب، يولون الأدبار، ويأبى عليهم جبنهم وتردّدهم إلا أن يتقهقروا سراعاً إلى الوراء، بينما القافلة العالمية تسير طيرانًا إلى الأمام.
أجل: هذا شبابنا الذي يتسكّع في الشوارع، ويطارد الفتيات فيها من غير حياء ولا خجل، وليتسابق إلى الملاهي والمساخر، ويتنافس في التخنث