أن بعض أبناء هذه الأمة يتربون تربية دينية في الأزهر والمعاهد الدينية، أو على أيدي المتخرجين في الأزهر والمعاهد الدينية، فينطبعون بطابع الإِسلام، وتتأثر حياتهم ومشاعرهم به. بينما البعض الآخر من أبناء الأمة، وهم الأكثرون، يتربون تربية مدنية فقط في المدارس الأميرية، أو غير الأميرية، فينطبعون بطابع يجافي الدين، وتتأثر بهذا الطابع المجافي حياتهُم ومشاعرهم أيضاً.
من هذا الاختلاف بين الثقافتين - في المبدأ والغاية والأثر - ساء التفاهم، واشتدّ التناكر بين طائفة المتعلمين تعلماً دينياً، والمتعلمين تعلماً مدنياً، وكاد الشر يتفاقم، والخرق يتسع، لولا أن تنبه المصلحون إلى ضرورة التقريب بين الثقافتين، والربط بينهما برباط وثيق، فأدخلوا العلوم المدنية في الأزهر والمعاهد الدينية بمقدار مناسب؛ "أي: لا يطغى على العلوم الدينية"، ثم بات هؤلاء المصلحون يرتقبون بفارغ الصبر من وزارة المعارف أن تخطو هي أيضاً خطوة التقرب الواجبة عليها بإدخال العلوم الدينية في مدارسها بمقدار مناسب؛ "أي: لا يطغى على العلوم المدنية". وبهذا وحده تتوثق عرا الوحدة بين أبناء الأمة، وتلك سياسة لا بد منها في حفظ كيان الدولة؛ لأن الدولة لا تسلم كتلتها إلا إذا اتحدت مشاعرها ومطامحها، ولن توجد في الدنيا صلة أوثق في توحيد المشاعر والمطامح من الدين والتثقيف، وذلك أمر يكاد يكون ظاهراً للعيان، لا يحتاج إلى دليل ولا إلى برهان.
فالكلمة إذن لوزارة المعارف، وخطوة التقرب التي تربط بين الثقافتين منتظرة من جانبها هي بعد أن خطت المعاهد خطوتها الواسعة في هذا السبيل.
* عيوب الثقافة الدينية الحاضرة بالمدارس:
ونحن لا ننكر أن وزارة المعارف قررت منذ زمن تدريس الدين الإِسلامي