إلى الهوان، والالتفات إليه بألحاظ الازدراء، وهذا هو الوجه في إنكاره - صلى الله عليه وسلم - على الرجل في الحديث السالف.
وأما الخروج عن المعتاد، والتطلع إلى ما هو أنفس وأغلى، فهو الذي رفضناه من حواشي الفضل، ونفينا أن يقفز بصاحبه درجة.
قال المعرّي:
إذا كان في لبس الفتى شرف له ... فما السيف إلا غمدُه والحمائلُ
بل تجد أكثر الناس يستخفون بمن يتعدى طور أمثاله في ملبسه، ويعدونه سفهًا في العقل، وطيشًا مع الهوى، وكذلك الإِسلام يستحب للإنسان أن يقتصد فيما تستدعيه حياته من المطالب، ولا يعجبه الاستكثار منها، والسرف في الإنفاق عليها، حتى يتخذ منها ما يزيد على الحاجة، ولا يستحق أن يذكر بإزاء الحكمة، فيما نرى قول الشاعر:
هم الملوك إذا أرادوا ذكرها ... من بعدهم فبألسن البنيان
إلا إذا كان الشاعر قد عبّر بألسن البنيان عن بناء المدارس والمساجد والمستشفيات، والطرق العامة، وبيوت يأوي إليها الفقراء والمستضعفون. وأما فصاحة المنطق، ففضيلتها من جهة الكشف عما يتجلى في مطالع الأفكار من المعاني، ويخطر على القلوب من المطالب. ولا خفاء أن العبارات والأساليب تتفاوت في إيضاح المراد وتشخيصه لذهن المخاطب، كما تتفاضل برونق الفصاحة، وعذوبة المذاق. وهذا أيضاً له مدخل في تلقي المطالب أو القضايا العلمية بقبول، ووثاقة فهم. ومن هنا رفع الإِسلام ذكرها في سياق الخصال العالية.