الْبَيَانَ} [الرحمن: ١ - ٤]. فإيراد {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} مجرداً عن حرف العطف؛ لكمال اتصال معناه بما قبله، وهو قوله:{خَلَقَ الْإِنْسَانَ}، ووقوعه منه موقع التفسير لشيء من مفهومه. فيشعر بأن الإنسان إنما يتم خلقه، وتتقوم حقيقته، بتعليمه المنطق الفصيح.
ونريد بالفصاحة: ملكة التعبير عما في الضمير بأي لسان حضر، فللمتضلع من لغة الفرس - مثلاً - مزيةٌ على قصير الباع فيها، متى استعان بها في تقرير الحقائق، وابتغى بها الوسيلة إلى التعريف بمقاصده الحسنة.
وتوهَّم كثير من الأدباء أن الفصاحة وصفُ كمالٍ في نفسه، فإذا اتفق لهم أن يبرزوا معنى في أسلوب فصيح، قذفوه بأفواههم، ولم يبالوا أن يكون ذلك المعنى عبثاً، أو خاذلاً لحق. ونرفع مقالنا هذا أن نسوق فيه أمثلة من منظوماتهم السخيفة، ولاسيما أشعارهم التي قلبوا فيها بعض آداب شرعية، ومدائحهم التي وقعوا بها حول الشرك بواجب الوجود.
وفي الناس من لم يتفقهوا في فضيلة الفصاحة، فإذا سمعوا ناطقاً يجهر بالعبارة، ويطلقها من لسانه بدون حبسة، أدخهلوه باعتقادهم في زمرة الفصحاء، دون أن ينظروا في تحقيق المطابقة بينها وبين المعاني التي قصد إفهامها. والدرّاكةُ قد يرجِّح ذا العقدة في نطقه، حين يُفرغ العبارة في عين الغرض، ويفضله عمن يرمي بكلامه المتتابع، وهو لا يصيب المفصل من المراد.
ولمن أحكم لسانين مزيةٌ ظاهرة على من عرف لساناً واحداً؛ حيث كان يستعمل اللسان الذي انفرد به في مقاصد لا تدرك باللسان الذي شاركه فيه صاحبه.