وطفق ذكره يتسع على حسب مساعيه المفيدة، فذلك خير من العزلة والاختباء في زوايا الخمول، قال تعالى فيما قصه من قول إبراهيم - عليه السلام -: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}[الشعراء: ٨٤] وقال في سياق أقوال لقوم صالحين: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان: ٧٤].
قال الرازي: الأقرب: أنهم سألوا أن يبلغهم في الطاعة المبلغ الذي يشار إليهم، ويقتدى بهم.
واستحب الفقهاء للصالح أن يسعى في ولاية القضاء؛ ليدرك الناس أمده في العلم، وبراعته في الفهم، فيهرعوا إلى الاستنارة بأفهامه، والاستقاء من وِرد علومه.
وأما الرئاسة، وهي أن يملك الشخص النظر في شؤون قوم بإنفراده، أو بمشاركة غيره، فإنما دخل صاحبها في ذوي الشرف؛ من حيث تطوقت ذمته بقلادة فصل الحقوق، أو تمكينها من أيدي أربابها، ولهذا شرع الإسلام ممن علم من نفسه الكفاءة والاستقامة؛ أن يسعى لإصابتها، ولو برغبة صريحة، قال تعالى فيما قصه من قول يوسف - عليه السلام -: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف: ٥٥].
وقال المازري: قد يستجيب طلب القضاء لمن يرى أنه أنهض به، وأنفع للمسلمين من آخر تولاه باستحقاق.
وأما الآثار المؤذنة بالنهي، أو الوعيد على ولاية خطة القضاء والإمارة؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم تحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة"، فخطابها متوجه لمن لم يستوف شرائطها؛ من معرفة، وعدالة، وشدة، وعزيمة في التنفيذ.