يقولون: إن الولاية معيار همم الرجال وعدالتهم؛ فإنهم بعدها ثلاثة أصناف:
فمنهم: من يتمادى على سيرته الأولى، ولا ينتقل إلى حال تبعد عما عهد له في الإساءة أو الإحسان.
وبعضهم: ينطوي على نفس عاطفة إلى الخير، فإذا جلس في منصب، استعظم مكان الحقوق، وأخذ يفحص بخاطره عما يلزم اتخاذه من النظامات الكاملة بحفظها، ومتى اهتزت هذه النفس العاطفة، أنبتت من التدابير المثمرة ما يبعثها مقاماً محموداً.
ومنهم: من يحمل في مخبآت صدره خبائث، وقد طبع على صناعة المخاتلة والاحتيال، فيحتفظ في سيرته جهده، ويتحاشى بظاهر عرضه أن يلوث بفضيحة، فإذا قبض بيده على سلطة، خلع ثوب عفته المستعار، وغشي من المخازي ما يجعله هدفاً لسهام الطاعنين. لا يفوت الرئيس الذي يحمل النية السوداء، ويركب في المظالم متن عمياء، أن ينساق إلى ذوي نفوس حرة ينقرون له على وجه نقيصته، ويصبون في أذنه أقوالاً تفيقه من نشوة السلطة، وتكدر عليه حلاوتها إلى مرارة، وإنْ ملك قوة ورجالاً، واتخذ سلاسلاً وأغلالاً.
قتل الحجاج عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه -، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، فأبت أن تأتيه، فانطلق يتبختر حتى دخل عليها، وقال لها: كيف رأيتني صنعت بعدو الله - يعني: ولدها عبد الله - قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، أما إن رسول الله حدثنا: أن في ثقيف كذاباً ومبيراً "مهلكا"، فأما الكذاب، فرأيناه، وأما المبير، فلا أخالك إلا