للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنقحة، ولا يعدون فيما يخل به وزن الرجل: أن يتباطأ أبوه عن الرحلة إلى مدينتهم أو قبيلتهم حتى تضعه أمه خارجها، ويفوته أن يستهل على مستقر منها.

إنما يكره العلماء السكنى بالقرى، وإن كانت وطناً، ويقصدون إلى الإقامة بالحواضر؛ لأن سوق العلم فيها نافقة، والحرص على التعلم بها أقوى، فيجد العالم من الراغبين في الاستفادة سبلاً مفتوحة، ودواعي باعثة على المطالعة والتحرير.

كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام بدمشق، ثم خرج إلى الديار المصرية لغضب الأمير إسماعيل أبي الخيش عليه، حين أنكر عليه الشيخ إعطاء بلد "صيدا" وقلعة الشفيف إلى الإفرنج، فلما مر بالكرك، تلقاه صاحبها، وسأله الإقامة عنده، فقال له: بلدك صغير على علمي، ولما وصل إلى القاهرة، عرف سلطانها نجم الدين أيوب قيمته، فأكرم منزله.

ويرجحون الرجل بكثرة أتباعه ومعتقدي أفضليته، وهذا وزن صحيح إن كان هؤلاء الأتباع من أولي الأحلام الراجحة، والألمعية المنقحة، أما إذا كانوا فيمن عميت عليهم سبل السيادة، ولا فارق عندهم بين المكارم وأضدادها، فلا ترجح بهم صحيفته، وإن كانوا أكثر من الحصى.

وإذا اعترفوا بالفضل لرجلين، أحدهما حاضر لديهم، والآخر لم تقع عليه أعينهم، جرى في ظنهم أن الغائب أوسع فضلاً، ورفعوه في اعتبارهم مرتبة. ومن علل هذا: أن المقررين لأحوال ذوي الفضل محادثة أو كتابة، إنما يتعرضون - في الغالب - إلى محاسنهم، وقلّما يذكرون لهم سيئة من أعمالهم، فإذا تلقى الإنسان ترجمة فاضل، تصوره بصورة كامل خلصَ من