للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأن هذا الذي اقتصر في تحيته على ما أمر الإسلام، يوقره في صدره، ويحافظ على طاعته في الغيب، كما يسارع إلى امتثال أمره عند الشهادة.

يعلم هذا، ولا نحتاج إلى أن نسند علمه إلى نور إيمانه، وصفاء سريرته، ولكنه كان على بصيرة من سيرة نفسه العادلة، وتصرفاته المحكمة، وهي لا تثمر في قلوب الرعية إلا المهابة والتعظيم.

يقول بعضهم: إن مثل هذا لائق أيام كانت الرعايا مؤدبة بهدى يطبعها على حسن الطاعة، وسهولة المأخذ، أما حين ينتزع منها ذلك الأدب، وتضل عن معرفة ما هو كمال في نظر الحكم، فلا غنى من حملها على التظاهر بهيئات الإجلال وشواهد الرهبة بأبلغ مظهر، وهذا القول ضرب من الأوهام، فإن الأمر الذي يبذر المهابة، ويلقي الإجلال في قلوب البشر أدباء أو متوحشين، إنما هو العدل في إجراء القوانين، من بعد إعداد القوة الكافية لتنفيذها على من يريد الخروج عن الامتثال.

إنما ابتدعت هذه المظاهر المتطوحة إلى مهاوي الذلة في عصور الأمراء الذين كانوا يضعون نير الاضطهاد على الرقاب، وقد اعتادها كثير من الناس، وأنسوا بها في جملة آدابهم، حتى لم يبق لهم عند إتيانها عرق ينبض لسماجتها وقبح هيئاتها، وأصبحوا يحسبون المقتصد فيها من ملأ يتكبرون، أو قوم هم عن أساليب الكياسة غافلون.

ترى الوجهاء الذين لم يبلغوا رشدهم في المعرفة، ولم يثقوا من أنفسهم بالعدالة، أعلق همة وأشد حرصاً على أن يحتفظ لهم الناس بهذه المظاهر البالغة، ولهذا لا تجدهم ينظرون إلى سليم الفطرة نيّر القريحة بانعطاف وإعجاب؛ لأنه يجري في معتقدهم أن من كان بتلك الصفة لا تسمح له