همته بأن يتمضمض عندهم بعبارات التملق والإطراء، وينعت نفسه باسم المملوك ومقبّل الأعتاب.
وهذا على خلاف سنّة الوجيه الذي امتلأ معارف، وتمكن من فضيلة العدل، فإنه يكون في غنى بلذة الحكمة والاستقامة عن أن ينتصب الناس لرؤيته قائمين، أو يضعوا شفاههم على ظاهر راحته لاثمين.
وأما تنبيه الرجل عن محاسن نفسه، وتحدثه بمزاياه، فإنما سوغه العلماء في مواضع ذكرها السيوطي في تقييده المسمى بـ "نزول الرحمة في التحدث بالنعمة"، قال: ومنها: إذا لم ينصف أو يوزع، أو كان بين قوم لا يعرفون مقامه، ويستدل لذلك بعمل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -؛ فإنه لما ولي الخلافة، خطب فقال: أما بعد: أيها الناس! فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم.
فجرى على قاعدة التواضع، ثم بلغه عن بعض الناس كلام، فخطب وقال: ألست أحق الناس بها؟ ألست أول من أسلم؟ ألمست صاحب كذا؟ ألست صاحب كذا؟. أخرجه الترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، ثم قال: ووقائع العلماء في تحدثهم بمثل هذا لا تحصى.
ومن هذا: ما حكى القاضي تاج الدين السبكي عن والده الشيخ تقي الدين: أنه طلب من خازن كتب المدرسة الظاهرية أن يعيره من الخزانة كتاباً، فتمنع عليه، فغضب السبكي وقال: مثلي لا يحتاج إلى كتب هذه الخزانة، بل كتب هذه الخزانة محتاجة إلى مثلي يحررها.
ومما ينتظم بهذا العدد: ما قصه الله تعالى في قول يوسف - عليه السلام - لمن لا يعرف صفة عدالته وعلمه:{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف: ٥٥]