بلسان عربي مبين، ولا يمتري أحد في أنه بالغ في الفصاحة وحسن البيان الذروة التي ليس بعدها مرتقى، فنأخذ بالقياس على ما وردت عليه كلمه وآياته من أحكام لفظية، ولا فرق عندنا بين ما وافق الاستعمال الجاري فيما وصل إلينا من شعر العرب ومنثورهم، وما جاء على وجه انفرد به، ولا نتبع سبيل من يحيدون عن ظاهره، ويذهبون به مذهب التأويل؛ ليوافق آراءهم النحوية.
قال الرازي في "تفسيره": "إذا جوزنا إثبات اللغة بشعر مجهول، فجواز إثباتها بالقرآن العظيم أولى. وكثيراً ما نرى النحويين متحيرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن، فإذا استشهدوا في تقريره ببيت مجهول، فرحوا به، وأنا شديد التعجب منهم، فإنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول على وفقه دليلاً على صحته، فلأنْ يجعلوا ورود القرآن دليلاً على صحته كان أولى".
وقال ابن حزم في كتاب "الفِصَل": "ولا عجب أعجب ممن إِن وجد لامرئ" القيس، أو لزهير، أو لجرير، أو الحطيئة، أو الطِّرِمَّاح، أو لأعرابي أسدي أو سُلمي أو تميمي، أو من سائر أبناء العرب لفظاً في شعر أو نثر، جعله في اللغة، وقطع به، ولم يعترض فيه، ثم إذا وجد لله تعالى خالقِ اللغات وأهلِها كلامًا، لم يلتفت إليه، ولا جعله حجة، وجعل يصرفه عن وجهه، ويحرفه عن موضعه، ويتحيل في إحالته عما أوقعه الله عليه".
فمن الحق أن مكانة القرآن الكريم المتناهية في الفصاحة والبلاغة تقضي بالاحتجاج به في كل حال. ومن النحاة من ينتزع من المقدار الذي يقف عليه من كلام العرب حكماً لفظياً، ويتخذه مذهباً، ثم تعرض له آية على خلاف ذلك الحكم، فيأخذ في صرف الآية عن وجهها.