أما وجهة نظر ابن مالك، فهي أن الأصل رواية الحديث الشريف على نحو ما سمع، خصوصاً أن أهل العلم قد شددوا في ضبط ألفاظه، والتحري في نقله، والمجيزون لروايته بالمعنى معترفون بأنها خلاف الأولى، وبهذا الأصل تحصل غلبة الظن بأن الحديث مروي بلفظه، وهذا الظن كاف في تقرير الأحكام النحوية، على أن الخلاف في صحة نقل الحديث بالمعنى إنما يجري في غير ما لم يدوَّن في الكتب، أما ما دوّن في الكتب، فلا يجوز تبديل ألفاظه من غير نزل كما نص على ذلك ابن الصلاح، وتدوين الأحاديث وقع في الصدر الأول حين كان أولئك الرواة الذين يتصرفون في ألفاظ الحديث - على تقرير تصرفهم - ممن يوثق بهم، ويحتج في أحكام الألفاظ بعباراتهم. ومما لا ينبغي أن يكون موضع خلاف بين الفريقين أربعة أنواع من الأحاديث:
أحدها: ما يروى بقصد الاستدلال على كمال فصاحته، وبلوغه أعلى ما يمكن لبشر أن يبلغه من حكمة البيان؛ فإن المعروف في رواة الحديث بهذا القصد أن يحافظوا على ألفاظ الحديث نفسها، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "حمي الوطيس"؛ أي: اشتد الضراب في الحرب، وقوله:"مات حتف أنفه"؛ أي: مات على فراشه، وقوله:"الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا".
ثانيها: ما يروى للاستدلال على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخاطب كل قوم من العرب بلغتهم؛ ككتابه إلى همدان، وكلامه مع ذي المشعار الهمداني، وطهفة النهديّ، وغيرهما.
ثالثها: ما يروى لبيان أقوال كان يتعبَّد بها، أو أمَر بالتعبد بها؛ كألفاظ