ذلك أنه أورد في الإستشهاد على صحة إضافة "أل" إلى الضمير: قول المتنبي:
والله يُسعد كل يوم جده ... ويزيد من أعدائه في آله
ثم قال: وأبو الطيب - وإن كان ممن لا يحتج به في اللغة -؛ فإن في بيته هذا حجة من جهة أخرى، وذلك أن الناس عُنوا بانتقاد شعره، وكان في عصره جماعة من اللغوفي والنحويين؛ كابن خالوية، وابن جني، وغيرهما، وما رأيت منهم أحداً أنكر عليه إضافة "أل" إلى المضمر؛ وكذلك جميع من تكلم في شعره من الكتاب والشعراء؛ كالواحدي، وابن عباد، والحاتمي، وابن وكيع، ولا أعلم لأحد منهم اعتراضاً على هذا البيت.
وهذا الذي يقوله البطليوسي في شعر المتنبي الذي لم ينكره أولئك العلماء والكتاب لا يرفعه من مرتبة الاستئناس به إلى مرتبة أن يكون حجة عند علماء العربية الذين يجتهدون في تقرير أحكام اللسان.
ويحتج بالبيت الذي لا يعرف قائله متى رواه عربي ينطق بالعربية بمقتضى السليقة، وكان العرب ينشد بعضهم شعره للآخر، فيرويه عنه كما سمعه، أو يتصرف فيه على مقتضى لغته، ولهذا تكثر الروايات في بعض الأبيات، ويكون كل منها صالحاً للاحتجاج، كما يحتج بالشعر الذي يرويه من يوثق به في اللغة، واشتهر بالضبط والإتقان، وان لم يعرف قائله، وقد تلقى علماء العربية شواهد كتاب سيبويه بالقبول، وفيها نحو خمسين شاهداً لم تعرف أسماء قائليها، فإنما يكون الرد وجيهًا، إذا روى الشعر من لم يكن عربيًا فصيحاً، ولم يشتهر بالضبط والإتقان فيما يسوقه من الشعر على أنه عربي فصيح.