ومن هنا يتبين لك أن استناد بعض المتأخرين في تصحيح بعض الكلم إلى استعمال أحد أهل العلم غير سديد، فمن الخطأ أن يُردَّ على صاحب "القاموس" في قوله: "والأنموذُج لحنٌ" بأن الزمخشري سمى كتاباً له بـ: "الأنموذج"، والنووي عبَّرَ به في "المنهاج"، فقال:"أنموذج المتماثل".
وكم من إمام في العربية ينطق، أو يؤلف بعبارة تخالف مذهبه الصريح، أفلم يشترط ابن هشام في كتاب "المغني" لدخول هاء التنبيه على الضمير كون خبره اسم إشارة؟ ولم يحافظ على هذا الشرط، فقال في خطبة الكتاب نفسه:"وها أنا بائح".
ووقع صاحب "القاموس" في هذه الهفوة بعينها، فشرط لاتصال هاء التنبيه بالضمير ما شرطه ابن هشام من الإخبار عنه باسم الإشارة، ولم يأخذ نفسه بهذا الشرط، فقال في خطبة "القاموس": "وها أنا أقول".
ويؤكد لك عدم صحة الاحتجاج بما ينطق به علماء العربية: أن صاحب "القاموس" صرح بأن كلمة: (بعض) لا تدخلها اللام، وهو يعلم - كما نقل بعد هذا الحكم - أن سيبويه والأخفش قد استعملاها في كتابيهما.
فالحقُّ أن لا حجة فيما يلفظ به رواة الشعر، أو علماء العربية، إلا أن تذكره على وجه الاستئناس، وأنت مالئ يدك بما هو حجة، أو منتظر لأن تظفر بالحجة.
ولابن السيد البطليوسي وجهة أخرى في صحة الاحتجاج بشعر أبي الطيب المتنبي، هي: أن البيت الذي سكت عنه علماء اللغة الذين تناولوا شعره، ولم ينكروه عليه؛ يلحق بما يصلح للاستشهاد به من كلام العرب،