منها، أقوى من بقية أصناف العوامل، ولقوته في العمل صح لهم أن يسندوا إليه عملين مختلفين؛ كالفعل يرفع الفاعل، وينصب المفعول، أو ثلاثة آثار؛ كالفعل يرفع الفاعل، وينصب مفعولين، أو أربعة آثار؛ كالأفعال التي ترفع الفاعل، وتنصب ثلاثة مفاعيل.
ونبني على هذا: أنه متى أمكن أن يكون العامل من هذا الصنف الأقوى، لم يعدل عنه إلى جعل العامل من صنف غيره، وقد اختار سيبويه أن يكون العامل في المنادى فعلاً مقدراً، ورجحه على أن يكون العامل حرف النداء، وإن كان ملفوظاً به؛ حيث قال: إن العامل في المنادى فعل مضمر تقديره: "أدعو".
والتحقيق - فيما نرى - أن الموازنة بين الصنف الأول إذا كان مقدراً، وغيره إذا كان ملفوظاً به، يرجع إلى قوة النظر في المعنى، وسرعة انتقال الخاطر إلى المقدر، فإذا كان المدعى تقديره لا ينتقل إليه الذهن بسرعة، أو لا يلتئم بنظم الكلام عندما تصرح به، فالراجح نسبة العمل إلى الملفوظ به، ولو كان من الأصناف الضعيفة، وهذا ما دعا المبرد إلى أن قال: العامل في المنادى حرف النداء نفسه.
والرجوع في العوامل إلى ما يقتضيه المعنى ويتبادر إلى الأذهان، يريك أن قول سيبويه: إن العامل في عطف النسق هو العامل في المتبوع، أقوى من قول ابن جني في "سرِّ الصناعة": إن العامل مضمر، ويقدر من جنس العامل في المعطوف عليه.
وإذا وزنت بهذا الأصل قول الجمهور: ان المفعول لأجله في نحو: "قمت إجلالاً لك" منصوب بالفعل المذكور، رأيته أرجح من مذهب الزجاج؛