الأول، ومن أمثلة هذا: أن بعض الكوفيين يقولون: إن الفعل الواقع بعد واو المعية المسبوقة بطلب (١) أو نهي منصوب بالخلاف المسمى عندهم بالصرف، وبيانه: أن ما بعد واو المعية مثل: "وتأتي" في قول الشاعر:
"لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله"
خبر، وما قبله طلب، فلما اختلفا في المعنى، وقع الخلاف بينهما في الإعراب. وهذا المذهب مردود بأن نحو هذا الخلاف قد ثبت في مواضع لم يظهر له فيها عمل؛ مثل: الأسماء الواقعة بعد "لا"، أو "لكن" العاطفتين؛ نحو: ما كتب زيد، لكن بكر، وأحسن عمرو، لا خالد.
وإذا دلت الصيغة على المعنى، وتقرر لها عمل خاص، ثم جاءت صيغة أخرى توافقها في الدلالة على ذلك المعنى، أفنلحق الصفة الثانية بالأولى، ونعطيها ذلك العمل الخاص، أو لا نملك هذا الإلحاق، ونقف دونه حتى يرد في كلام العرب ما يشهد بأنهم أعطوا من العمل ما أعطوه للصيغة الأولى؟ ووجه الوقف: أنه لا يلزم من الاتحاد في المعنى التماثل في العمل؛ فإنك ترى كثيراَ من الكلم تتحد معنى، وهي تختلف في التعدي واللزوم؛ نحو: رحمه، وصلى عليه.
ومما يوضح هذا أن صيغة "مفعول" تعمل في الاسم الظاهر؛ نحو: محمود مُقامه، ومرفوع ذكْرُه؛ ويوافق صيغة مفعول في الدلالة على معناها صيغة فعيل، نحو قتيل وجريح، وقد أبى الجمهور أن يلحقوا فعيلاً بشبيهه، وهو مفعول، فيجيزوا رفعه للظاهر، وقالوا: لا يصح أن يقال: مررت برجل
(١) المراد من الطلب ما يشمل الأمر والنهي والاستفهام.