فهذا الأصل ينصر من ينفي عنه العمل، فيمكنك أن تستدل به على ضعف مذهب من يقول: إن العامل في المعطوف هو حرف العطف، فان العاطف يتصل بنوعي الأسماء والأفعال.
وعلى هذا الأصل ينبني خلافهم في إن وأخواتها عندما تتصل بها "ما" الزائدة، فقد سمع إعمال "ليتما"، فاتفقوا على جواز إعمال هذا الحرف. واختلفوا في إعمال بقية الحروف، فمنعه سيبويه. وأجازه الزجاج، وابن سراج، والكسائي، ومذهب سييويه قائم على أن "ليتما" لم تزل على اختصاصها بالأسماء، فساغ إعمالها، ولا يسوغ قياس الأحرف الباقية عليها؛ لأن "ما" أزالت اختصاصها بالأسماء، وهيأتها للدخول على الأفعال.
ومن أصولهم: أن الحرف لا يعمل عملين مختلفين، وإنما يعمل عملاً واحداً؛ كالحروف الخافضة للأسماء، أو الناصبة للأفعال، أو عملين متماثلين؛ نحو: إن، وإذما الشرطيتين، يجزمان فعل الشرط وجوابه، وخرج عن هذا الأصل عند البصريين: إن وأخواتها؛ فإنها في مذهبهم ناصبة للاسم ورافعة للخبر، وحافظ عليه الكوفيون، فطردوه في كل موضع، وقالوا: إن الناسخ عمل في الاسم وحده، وأما الخبر، فإنه مرفوع بما ارتفع به قبل أن يرد عليه الناسخ، وهو المبتدأ.
ويشبه هذا قول سيبويه: إن "لا" النافية للجنس إنما عملت في الاسم، وأما الخبر، فإنه مرفوع بكونه خبر المبتدأ.
والأصل فيما يسند إليه العمل: أن لا يتخلف عنه أثره أينما وجد، فإذا احتمل وجه الاعراب أن ينسب إلى ما يدور معه العمل حيثما وجد، وأن ينسب إلى ما لا يطرد معه العمل في جميع مواقعه، ترجح جانب الاحتمال