ضبط علماء اللغة قواعد العربية، ومازوا بين ما جاء على وجه الشذوذ، فينطق به كما ورد، وبين ما يصلح لأن يكون قياساً مطرداً، فرموا بهذا إلى غرضين شريفين:
أحدهما: المحافظة على لهجة العرب وطرز خطابهم.
ثانيهما: فتح السبيل إلى أن تستمر اللغة نامية على وجه يلائم روحها يوم وصلت في بلاغتها وحسن بيانها إلى ذروة لا تطمح العين إلى ما وراءها.
"لم يزل ولدُ إسماعيل على مر الزمن يشتقون الكلام بعضه من بعض، ويضعون للأشياء أسماء كثيرة بحسب حدوث الأشياء الموجودات وظهورها". وهذا النوع من التصرف لا يختص بالعرب الخلص، بل هو حق باق لكل من ينشؤون على النطق بهذه اللغة الفضلى. وإذا لم تسر هذه اللغة فيما سلف على مقتضيات العصور، فليست علة ذلك أن آراء علمائها وقفت في سبيل تقدمها، وإنما فات علماءها أن يقوموا بهذا الإصلاح العلمي على طريقة منتظمة دائمة.
طرأت على اللغة علل سرت من ألسنة غير فصيحة، وترجع هذه العلل إلى أضرب:
أحدهما: تغيير نظم الكلام؛ كتقديم ما التزم العرب تأخيره، والفصل بين كلمتين التزموا فيهما الإتصال. وهذا النوع من التغيير لا يصح أن يجارى فيه العامة البتة؛ لأن الإغماض فيه يفضي إلى انقلاب اللغة الفصحى إلى لغة أو لغات لا ندري كيف تكون منزلتها في الانحطاط والبعد عن هذه الأساليب المحكمة.