عليه منتخبات أشعارهم، وكان بعضهم يهمد بعضاً بنظم الهجاء، وتسييره في ذينك الموضعين.
قال أمية بن خلف يهدد حسان - رضي الله عنه -:
ألامن مبلغٌ حسان عني ... مغلغلةً تدبُّ إلى عكاظ
وقال حسان في جوابه.
أتاني عن أمية زور قول ... وما هو في المغيب بذي حفاظ
سأنشر إن بقيت له كلاماً ... ينشر في المجنة مع عكاظ
ومن شواهد هذا: أن الحارث بن حلزة اليشكري كان شاعراً حكيماً، ولكنه ابتلي بوضَح (برص)، ومن أجله كان عمرو بن هند ملك الحيرة يكره النظر إليه، ويأبى أن يستمع إلى خطابه إلا من وراء ستار، فدخل عليه يوماً، وأنشد بين يديه قصيدته المعدودة في المعلقات:
آذنتنا ببينها أسماء ... ربَّ ثاوٍ يمل منه الثواء
وتعرض فيها إلى شيء من الصلح بين بكر وتغلب، فبهرت عمراً برائع نظمها، واستولت على لبه بسحر بيانها، فأخذته هزة وارتياح، ولم يتمالك أن أمر برفع الستار ما بينهما.
واقتضت عناية العرب لذلك العهد بالإبداع في القول، والتنافس في مقام الفصاحة أن ظهرت معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بلاغة ما أنزل عليه من القرآن؛ كما جاء عيسى - عليه السلام - يبرئ الاكمه والأبرص، ويحي الموتى بإذن الله لما أرسل إلى قوم توفرت عندهم العناية بعلم الطب، وكما بعث موسى - عليه السلام - إلى أمة انتهى السحر فيها إلى غاية، فأتاهم في مقام