المعجزة بأبدع ما يكون في قلب الأعيان وإراءتها في غير سيرتها الأولى.
ثم ارتقت اللغة في صدر الإسلام إلى طورها الأعلى، ودخلت في أهم دور يحق علينا أن نسميه: عصر شبابها، فنمت عروقها، وأثمرت غصونها بألوان مختلفة من الأساليب.
ومن مآثر هذه الحياة الراقية: أن كان كلام الناشئين في الإسلام من العرب أحلى نسقاً، وأصفى ديباجة من كلام الجاهلية في شعرهم وخطبهم ومحاورتهم.
والأسباب التي ارتقت بها اللغة حتى بلغت أشدها، وأخذت زخرفها أمور ثلاثة:
أحدها: ما جاء به القرآن الحكيم من صورة النظم البديع، والتصرف في لسان العرب على وجه يملك العقول؛ فإنه جرى في أسلوبه على منهاج يخالف الأساليب المعتادة للفصحاء قاطبة، وان لم يخرج عما تقتضيه قوانين اللغة، واتفق كبراؤهم على إصابته في وضع كل كلمة وحرف موضعه اللائق به، وإن تفاضل الناس في الإحساس بلطف بيانه تفاضلهم بسلامة الذوق وجودة القريحة.
ومن النحاة من يحكم على بعض استعمالات يرد عليها القرآن بعدم القياس عليها؛ كما قصروا حذف حرف المصدر ورفع المضارع بعده على السماع بعد أن أوردوا في مثاله قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا}[الروم: ٢٤]، ولا أدري كيف يتفق لهم هذا، مع علمهم بأنه صاحب وجد ما يعارضه في القياس يوقف على السماع، فنسلم لهم إجراء هذه البلاغة التي ليس وراءها مطلع، وإنا لنعلم قولهم في أصول العربية: