والموصوف يجري على المخيلة قبل صفته. وقد يعرض لبعض المعاني حال ينقله عن مرتبته الطبيعية، ويعطيه في نفس المتكلم منزلة ثانية؛ كالاهتمام بالمفعول به يقتضي تقديمه على الفعل.
وإذا تبين هذا، فمما يرجع إليه في وصف العبارة بحسن البيان: أن تكون ألفاظها مؤلفة على حسب ترتب معانيها في النفس، سواء كان ذلك الترتب مما دعت إليه طبيعتها، أو اقتضته الأحوال العارضة، ومن افتكر في تاليف الكلام العربي بالنظر إلى تقديم أجزائه وتأخيرها، وجده معتمداً على رعاية هذه القاعدة.
تراتيب الكلم على ثلاثة أضرب:
أحدها: ما عينه الواضع، وحكم به على سبيل الوجوب، فيعد مخالفه مخطئاً، ويخرج الكلام الخالي من مراعاته عن الأسلوب العربي؛ كتأخر التمييز عن المميز، والمضاف إليه عن المضاف.
ثانيها: ما عينه الواضع أيضاً، ولكنه قضى به على وجه الأصالة، واعتبار ما هو الأولى، ولا تخرج العبارة بمخالفته عن حدود العربية؛ كتقديم اسم من صدر منه الفعل على اسم الذات الواقع عليها، والبحث عن أسرار ما كان من قبيل هذين الضربين مبثوثاً في مدارج علم النحو.
ثالثها: ما لا يقتضيه الوضع على التعيين، وجعل أمره دائراً على رعاية ما يناسب المقام، وتعيينه بحسب التراكيب المخصوصة موكول إلى ألمعية المتكلم، وحسن تصرفه؛ كتقديم المفعول على الفعل لإفادة اختصاصه به، وعدم تعلقه بغيره، والبحث في هذا القسم ووجوهِه المناسبة مندرج في موضوع علم البيان.