وكان من حق الألفاظ والجمل التي تناسبت معانيها، وتعلق بعضها ببعض أن يلاءم بينها في السبك، ولا يفرق بينها في التأليف، هذا هو الأصل الذي بنيت عليه العربية، إلا أنهم لم يغلوا في ذلك؛ لئلا يوقعوا ألسنتهم في حرج، فأباحوا الفصل في مواضع لا يؤثر فيها الفصل تعقيداً، ولا يختل به فهم المعنى، وعملوا به في موارد الجمل الاعتراضية على وجه الزينة، وشبهوا ما بلغ الغاية في الحسن والقبول بحشو اللوزينج.
ثم نظر العرب إلى الجمل تستقل كل واحدة منها بنفسها، فوجدوها تارة تتناسب، ويتشبث بعضها ببعض من جهة المعنى، فليس من الحكمة وجودةِ التصرف أن تلقى منثورة لا يراعى فيها جانب المعنى، وتستأنف واحدة بعد أخرى، فاعملوا حروف العطف وسائط في وصل الجمل ونظمها في سمط المناسبة؛ لتكون أجزاء الكلام متماسكة.
وتارة تنقطع الجملة الثانية عن الجملة قبلها، ولا يتصل حديثها، بحديثها، سوى أنه اتفق الجمع بينهما في الإخبار، وفي هذا الموضع يجب الفصل بين الجملتين، فلو ضم المتكلم الجملة الأخيرة إلى الجملة السابقة بعاطف، كان بمنزلة من عمد إلى جواهر غير متناسبة في المقدار، ولا يشبه بعضها بعضاً في الشكل، وركبها في نظام واحد.
ودعاهم اللطف ورعاية الأدب في الخطاب إلى الإغضاء عن شرط المناسبة، فادمجوا حرف العطف بين جملتين ليس بينهما صلة مناسبة إذا كرهوا أن يسبق إلى ظن السامع خلاف ما يراد منهما لولا واسطة حرف العطف؛ كقولهم: لا، وأيدك الله.
فوضع الفصل والوصل بين الجمل على هذا الوجه وبناء حكمهما على