معناها، وتارة يأتي بالألفاظ مساوية للمعنى المراد، ويفصلها على مقدار الحاجة، وريما كان إسقاطه لبعض الجملة أوقع في النفس، وأبعد عن اللغو، فيحذفه، وينبه على مكانه. ويعبر بلفظ مفرد إن شاء، أو مركب؛ نحو: سبقه، ووصل قبله، والمفرد إما مجرد من حرف الجر، أو موصول به؛ نحو: أخرجته، وخرجت به، أو يأتي بالمراد في سياق النفي أو الإيجاب؛ نحو: لم يشح بالتعليم، وسمحت نفسه به، أو يعبر عن الشيء وصفته بمركب إضافي، أو يركبهما على قياس النعت مع منعوته؛ نحو: يعجبني أكبر همتك، أو همتك الكبرى.
ثم إن الحاذق في عمل التمثيل هو الذي يمثل لك الحزين المتضاحك، والمستبشر المتباكي، كذلك الفصيح يبرز لك الجد في صورة الهزل، أو يكسو الهزل بلباس من الجد، ويلقي المدح في قالب الذم، ويسوق الذم في معرض المديح؛ كقولهم:"أرانيه الله أغر محجلاً"؛ أي: محلوق الرأس مقيداً. وقد ينحو نحو البراعة في الصناعة وإظهار القدرة على التانق في تأليف الكلام، فيشحنه بضروب الاستعارات، وفنون التشابيه، وغيرها من محاسن البيان التي لا يعقلها إلا الخاصة من الأدباء؛ كما فعل الحريري في "مقاماته"، أو يتخير ما كانت ألفاظه صريحة، ومعانيه واضحة يسهل مأخذها على كل من له إلمام باللغة، وذهن حاضر في الجملة، إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف وطرق التعبير البالغة إلى غاية يقف دونها البيان.
ومن تنوع الأساليب إلى ما يفوق حد الوصف: أخذ كل شاعر وكاتب طريقة يعرف بها نظمه أو تحريره، حتى إذا تليت قصيدة لشاعر، أو رسالة لكاتب لا تعلم نسبتها إليه، وكنت عارفاً بطريقته، لم يشتبه عليك أنها من