إنشائه. يؤيد لكم هذا: أن خلف الأحمر كان يعمل الشعر على ألسنة الفحول من القدماء، فيشبه كل شعر بقوله شعر من يصطنعه عليه، ويقال: إن القصيدة المنسوبة إلى الشنفرى التي أولها:
أقيموا بني أمي صدور مطيِّكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميلُ
هي له، وقال: أنا وضعت القصيدة التي أولها:
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللُّجُما
ونسبتها إلى النابغة.
وروي أن الفرزدق أنتحل بيتاً من شعر جرير، وقال: هذا يشبه شعري.
وإذا نبغ كاتب كالجاحظ، أو شاعر كالمعريّ، وابتدع لنفسه أسلوباً راق في نظر أبناء عصره، أخذوا في محاكاته، واقتدوا بالعمل على منواله، فتتماثل تحريراتهم، ويتقرر لهم أسلوب جديد.
ونقل إلى المسامر بموت العربية (أن أساليبها واقفة عند غاية لا تتجدد)، ولم يصب المبلغ له ذلك شاكلة الصواب؛ فإن من ينظر في أساليب التحريرات الراقية اليوم يجد بينها وبين أساليب المتقدمين بوناً شاسعاً، فلو جئت إلى رجل تدرب على مطالعة هذه المحررات الحديثة، وأمليت عليه صحيفة من نسجها، وهو لا يعرف من أين صدرت، ولا متى نشأت، عقل على البديهة جدتها، ولم يرتَبْ في أنها من قبيل الصنع الذي ظهر به هؤلاء الكاتبون، كما لا يشك في معرفة ما يتلى من زبر الأولين، ويدرك لأول نظرة إنشاءها على الطراز العتيق.
والناقد لأصناف الكلام يفرق بين الإنشاء الحادث والعتيق، وإن كانت المعاني فيهما متماثلة، فلا يكن في ظنك أن الطريق المعرف للمنشآت الجديدة