عباراته على نسق واحد، وبيان لا يختلف، وسبيله أن يلاحظ حال المخاطب أولاً، ثم يزن العبارة بحسبها، ولم يغب هذا المعنى عن العرب، فراعوا جانبه، وأضافوا إليه في الاعتبار أن الإنسان قد تدعوه الحاجة إلى الحديث في شأن، ويضيق به الوقت عن التوسع في البيان، أو يجد في نفسه ضجراً يثقل الكلام على لسانه، فوضعوا في الأساس الذي بنيت عليه لغتهم قاعدة الاختصار، ويجري في كلامهم على وجوه يرجع الفضل في بعضها إلى حكمة الواضع، ومنها ما تعود المزية فيه إلى اقتدار المتكلم ولطف تصرفه.
روعيت هذه القاعدة في كثير من المفردات حال وضعها، كما وضعوا الضمائر لتنوب عن الأسماء الظاهرة، وأقاموا علامة التثنية والجمع بأنواعه مقام العاطف والمعطوف، واستغنوا بتغيير الكلمة في التصغير عن وصف المسمى بالصغر بعد ذكر اسمه، واعتبروا في وضع أدوات الشرط زيادة على التعليق الدلالة على جنس المعلق عليه من عاقل وغيره، أو مكان أو زمان أو حال، فاكتفوا بنفس الأداة عن التصريح به من بعد، وكذلك صنعوا في أدوات الاستفهام حين أدخلوا في مفهوماتها فضلاً عن طلب الإعلام الدلالة على جنس المسؤول عنه، فإذا علمت بأن أحداً عند المخاطب، وقصدت إلى استكشاف حاله لتعرفه بعينه، فهنا لا تفيدك الهمزة في طلب تعيينه مثلما تفيدك كلمة (مَنْ)؛ إذ يلزمك مع الهمزة أن تعد الناس فرداً فرداً حتى تذكر الشخص المسؤول عنه، وربما لا يخطر على قلبك، أو كنت لا تعلم اسمه من قبل، فتستمر في تجديد السؤال: أزيدٌ عندك أو عمرو أو خالد؟ وهو يجيبك بالنفي إلى أن ينفد ما عندك من الأسماء، ولا يحصل لك الجواب المطابق، وليس على المخاطب أن يقول لك: عندي بكر - مثلاً - في جواب: أعندك زيد ... إلخ،