أشرف المخاطب على مهواة خطر، أو خيف عليه من الحصول في مكروه، وهذا يوجب على المتكلم المبادرة لاستيفاء الكلام، والاختصار على قدر ما يفهم المراد؛ حذراً من طول الكلام على المخاطب حتى يغشاه المخوف منه قبل أن يأخذ في سبب النجاة، وكذلك أوجبوه على أنفسهم عند حث المخاطب وإغرائه على طلب أمر محبوب؛ فإن شدة الحرص على فوزه بمرغوب فيه، وسباقه إليه تستدعي اختصار القول له ما أمكن؛ لئلا تفوته الفرصة قبل انقضائه.
ومن الحذف ما يدخل في حكم الجائز بحسب أصل الوضع، ويفوض في ترجيحه وإختياره عن الذكر إلى نظر البليغ، وما يقتضيه مقام تلك العبارة بخصوصها؛ كالحذف مع القرائن الخفية لإختبار نباهة المخاطب، والعلم بمقدار شعوره.
ونسمع من كثير: أن العربية لا تصلح في تعليم الجند، وأمرهم بالانتظام والاستعداد والهجوم وأعمال السلاح؛ بدعوى أن عباراتها الكافية للإفهام في هذا الغرض لا تبلغ غاية الاختصار المطلوب في مواقع الحروب، وهذه غفلة منهم عن وجه الحذف الذي أوجبته العربية في مثل هذه المقامات، وعدم دراية بأن الكلم المستعملة لتنظيم حال الجيش عند الأمم الأخرى إنما دخل عليها الاختصار من باب الحذف والإضمار.
وسلك العرب في طلب الإيجاز جهة أخرى سوى طريقة الحذف هي: أن يطلقوا العبارة، فتشتمل بمفهومها على معان جمة، ولا تستطيع أن تضع يدك في حشوها، أو على موضع من جوانبها، وتشير إلى كلمة أو جملة سقطت هناك، ولكنك لو أخذت المعنى من حواشيه، وأفرغته في ألفاظ تفصلها من عندك، وتقدرها بالقياس على أفهام الأوساط أو العامة الذين لا يعقلون إلا