ولم يقف الناس في زمن الإسلام على ما سمع منه عن العرب، فقالوا في النسبة إلى الشافعي وأبي حنيفة: شفعنتي، ولا نعد النحت من خصائص العربية، بل هو معروف في اللغات الإفرنجية، اتخذوه منبعاً يستمدون منه أسماء ما يحدث من المعاني على ممر الزمان؛ فإن جغرافيا - مثلاً - مأخوذة من جيه بمعنى أرض، وأغرافو بمعنى ارسم، وتلسكوب (المنظار الفلكي) من تيل؛ أي: بعيد، وسكوبيو؛ أي: اختبر، وجيولوجيا من جيو بمعنى أرض، ولوغوس بمعنى علم، وتلغراف مشتق من تيل؛ أي: بعيد، واغرافو؛ أي: اكتب، وتليفون من تيل؛ أي: بعيد، وفون؛ أي: صوت، وترامواي كلمة إنكليزية من ترام بمعنى قضيب منبعج، "ويه" بمعنى طريق، إلى غير ذلك من الأسماء المحدثة.
وشرع العرب سنّة الحذف، فيضمرون الكلمة، والجملةَ فما فوقها، وينبهون على المحذوف بقرينة المقال أو المقام. وحال الحذف من مقدار اللفظ الذي يستحقه المعنى كإبانة بعض أجزاء من خلقة الإنسان، والنقص في الخلقة منه ما يكون مكروهاً؛ كقطع يد أو لسان، ومنه ما يستحب دائماً، ولا يحسن في النظر سواه؛ كتقليم الظفر، وتقصير بعض الشعر، وقد يتقارب النقص والبقاء على أصل الفطرة، فيختلف الناس في ترجيح أحدهما واختياره بحسب الأشخاص والأذواق؛ كشجة تعرض في الوجه، فتزيده حسناً، وبعض أنواع اللثغ يلذ في سماع أناس، ويؤثرونه على الحرف المتمكن في مخرجه، وكذلك الحذف يجري على هذا التقسيم، منه معيب، وهو ما اختل به أداء المعنى المراد، وفسدت به هيئة الكلام، ومنه ما يدخل في سبيل الواجب، ويعد الذكر مكانه خروجاً عن قانون العربية؛ كحذف الفعل في باب التحذير التزموه عند تكرار المحذر منه، أو العطف عليه؛ لأن التحذير إنما يقع حيث