اللغة، لأخل بجانب المعنى، ولم تكن الترجمة مطابقة، وقد تجري العادة في لسان قوم باستعارة اسم شيء لآخر، فيحسن موقعها من قلوبهم، ولا يألفها قوم في مجاري خطاباتهم، فتتبرأ منها أسماعهم، وتنفرها أذواقهم، وبمثل هذا يظهر النقص في صورة المعنى المؤدى بلهجة لغة إذا نقل إلى لغة أخرى.
ولاتساع العرب في كلامهم بهذه الوجوه: المترادف، وجمع التكسير، والمجاز، وما يشاكلها من القلب اللفظي؛ نحو: جبذ وجذب، وورود الكلمة الواحدة على عدة أحوال مختلفة بزيالة بعض الأحرف ونقصها؛ كإصبع وأصبوع، تمكنوا من بناء أشعارهم على هذه الأوزان المعتدلة، والتزموا فيها القافية ورويَّها بدون كلفة، فجاءت محكمة في وضعها، بديعة في نسجها.
قال أبو نصر الفارابي: إن الألسن العجمية متى وجد فيها شعر مقفى، فإنما يرومون أن يحتذوا فيه حذو العرب، وليس ذلك موجوداً في أشعارهم القديمة.
وتيسر للعرب بهذه الأسباب أيضاً أن يأخذوا بطريقة السجع، فيأتوا بالكلام قطعاً قطعاً، ويلتزموا في كل كلمتين منه قافية، وكان هذا النوع في زمن الجاهلية متداولاً بدون أن يتغلب على المرسل، وكثر ما يستعمل عند أصحاب الكهانة؛ فإنهم كانوا يلتزمونه التزاماً، ثم هجره الناس في صدر الإسلام هجراً جميلاً، فلا يستعملونه إلا إذا أرسلته السجية بدون تطلب وتصنع، ثم أخذ في القرون الوسطى من العناية والحظوة ما لم يكن له في صدر الإسلام، ولا في زمن الجاهلية، فدرج الناس على سنته في خطاب الجمهور، والتزمه الكتاب في مخاطبة السلطان إلى الرعايا، وكتبوا به بعض الرسائل العلمية، وتغنت به الباعة في النداء على أمتعتها.