في وضعها، ومما ينبئ عليه التشبيه: الاهتمام بشأن المشبه به؛ لأن صانع التشبيه يلتفت أولاً إلى ما استودعه في مخيلته من الصور، فتخطر على مفكرته، وتتسابق إليها على حسب تكررها على ذهنه، وتوجه قلبه إليها، فإذا ضرب مثلاً عند الاستغناء عنه، أو اختاره دون غيره، مع مساواته له في تحصيل الغرض، أشعر بكثرة ملابسته له، وتردده على فكره، فلا غرو أن تستفيد من تشابيه الرجل مكان همته، وإلى أين تذهب نفسه في معالي الأمور أو أسافلها، ومن الخطأ الذي يعرض للأديب هنا: أن يجري في تشابيهه على ما يلابس خاطره، ويسبق إلى قريحته، ولا يراعي في ضرب المثل حال المخاطبين، وما هو معروف لديهم.
ثم إنهم لم يقتصروا في المشبه به على حد ما تقع عليه الحاسة، أو تدركه القوة العاقلة من الحقائق الثابتة، وتعدوا إلى ما تقدره قوة الخيال من المعاني التي لم يتحقق لها أثر في الوجود. ورأوا الفضل في التشبيه البسيط غير كبير؛ إذ لا مزية تظهر للشاعر في تشبيه الشجاع بالأسد، والعزيمة بالسيف، فترقوا في ذلك إلى انتزاع الهيئات المفصلة من المركبات في الواقع، أو بواسطة الخيال؛ كتشبيههم الزرع تتخلله شقائق النعمان وهو يميس أمام الرياح بكتيبة لباسها أخضر قد انهزمت، ومن بينها جرحى كسيت باثواب من الدماء، ولولا قوة مداركهم، ولطف تصرفها، ما رأيت فئة كثيرة من الشعراء يتواردون على تشبيه شيء واحد، فيسلك كل فرد منهم جهة لم يتعلق بها نظر غيره، كما بلغوا في تشبيه الهلال إلى ما يقارب السبعين وجهاً.