كأن الشمس إذ غربت غريق ... هوى في البحر أو وافي مغاصا
فأتبعها الهلال لدى غروب ... بزورقه يريد لها خلاصا
فيمكنك أن تنظر إلى تشابيه الأمة وما يضربونه من الأمثال، وتجعلها عنواناً على إضاءة عقولهم، وشاهداً بالغاية التي تنفذ إليها بصائرهم؛ فإن المشبه به إذا كان نادر الحصول في الذهن، أو في ضمنه تفصيل كثير، صعب استطراده في غير موضع الحديث عنه، ولا يتمكن من قلادة التمثيل به إلى من كان له نظر واسمع في تخييل المعاني القاصية، وقوة فائقة في تأليفها مع ما يجانسها في شمل واحد. وكثيراً ما يصنع الأدباء التشابيه على بساط المساجلة لمجرد الرياضة، وإظهار البراعة في الالتفات من معنى إلى آخر، وإدخاله في نسق الحديث عن غيره بمناسبة لطيفة.
فالأدباء يختلفون في مراتب التشبيه، ويتفاوتون في الغوص على لطائفة؛ مثلما يختلف المصورون من أهل السياسة في تمثيل حال أمة في سعادتها أو شقائها - مثلاً -، أو حال دولة في اتحادها مع دولة أخرى أو معارضتها، ويتفاوتون فيما يضمنونه في ذلك التمثيل من النكت السياسية.
ولم تكفهم الإصابة في وجه الشبه والتحقيق فيه، فدعاهم لطف الذوق في التمثيل إلى التحفظ في موارده عما لا يلائم الغرض منه، ألا ترى الأصمعي كيف عاب في مجلس الرشيد قول النابغة:
نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر السقيم الى وجوه العُوَّدِ