فإن النابغة - وإن سدد الرمية إلى وجه الشبه -، لكنه أورده في صورة تقتضي تشبيه المحبوبة بالسقيم، وذلك مما يتخلى ذوق الأديب عن قبوله. ونظير هذا: أن يمثل المصور السياسي أمة في سعة رفاهيتها، وسعادة حريتها، فيرسم صوراً كريهة المناظر، تمرح بملابسها الفاخرة في رياض باسمة الأزهار، ويرمز إلى روح الأمن والاطمئنان باسطة أشعتها في صدورهم بانتظام سيرهم، والسكينة في حركاتهم، فهذا المثل كما رأيته مستوف للغرض الذي رسم من أجله؛ لأن السعداء بنعمة الحرية لا يجب أن تكون وجوههم مشرقة، وأعضاؤهم متناسبة، ولكن ما ارتكز في النفوس من إعظام الحرية، وشدة الشغف بها يخيل إليها أن من لبسوا رداءها، وتحلوا بزينتها، لابد أن تلقى على وجوههم نضرة النعيم، وتعلوها وضاءة لا يبصر الناظر معها إلا حسناً، فإذا شاهد إنسان الأحرار في صور كريهة، نقص إعجابه بالحرية، أو نازع المصور في عدم إتقانه لذلك التمثيل.
واتسع العرب في هذا الباب إلى أن قال المبرد في "الكامل": لو قال قائل: هو أكثر كلام العرب، لم يبعد.
وتفننوا فيه على حسب توغلهم في الحضارة، ومشاهدتهم للصور الغريبة، ولا جرم أن يجد الناظر في تشابيه أدباء الأمة ما يطلعه على نبذة من أحوالهم المدنية؛ فإن كثيراً من الأشياء يتعالى الأديب عن الحديث في شأنها. إذا ساقها إليك مساق التمثيل بها.
فمما يقرب معرفتك إلى هيئة لباس النساء في عهد ابن الرومي قوله يصف قوس الغمام:
يطرزها قوس الغمام بأصفر ... على أخضر في أحمر وسط مبيض