فلما رأى البخاري هذه المصنفات، ورواها، وجدها بحسب الوضع جامعة، فألف كتابه مقتصراً على الصحيح.
وإذا رأينا أن البخاري يقول في كتابه: حدثنا فلان. فهذا لا يمنع من أن يكون الحديث مدوناً في كتاب؛ فإنهم كانوا - كما عرفت آنفاً - لا يستغنون بالكتابة عن الحفظ، وربما قال الراوي: أملى علينا فلان كذا وكذا حديثاً من حفظه، ثم قرأها علينا من كتابه.
وهذه النظرة التاريخية تدلنا على أن ابتداء تدوين الحديث كان في أوائل القرن الثاني، وأنه لم يمض القرن الثاني حتى قيد معظم الأحاديث بالكتابة والتدوبن.
ولننظر بعد هذا إلى حال اللغة من جهة ما دخلها من الفساد، وننظر ما يكون لهذا الفساد من أثر في رواية الحديث.
أخذ الفساد يدخل اللغة منذ وصلت الفتوح الإسلامية العرب بالعجم، وأسرع إلى ألسنة طائفتين من أبناء العرب، أو الناشئين في بيئتهم: طائفة كانت أمهاتهم من الأعاجم، وطائفة العامة الذين يسكنون الأمصار، وتكثر مخالطتهم للأعاجم.
وظهر اللحن بجلاء في أواخر عهد الدولة الأموية، وكان انقراضها سنة ١٣٢ هـ.
وبقي بجانب هاتين الطائفتين فريقان: سكان الجزيرة البعيدون عن مخالطة الأعاجم مخالطة تمس فصاحتهم بسوء، وأبناء الخاصة من سكان الأمصار الذين لم تكن أمهاتهم من الأعاجم.
أما سكان الجزيرة، فإنهم ما برحوا على فصاحة اللغة إلى أواسط القرن