الرابع، وأما الخاصة من سكان المدن، فبقوا على فصاحة اللهجة مدة في أوائل عهد الدولة العباسية.
وذكر الباحثون في طبقات الشعراء: أن إبراهيم بن هرمة آخر من يحتج بشعرهم، وقد توفي في خلافة الرشيد بعد الخمسين والمئة بقليل.
والذين نشؤوا في بيئة عربية لم ينتشر فيها فساد اللغة انتشاراً يرفع الثقة بفصاحة لهجتها، يوثق بأقوالهم، ولو تأخروا عن منتصف القرن الثاني؛ كا لإمام الشافعي؛ فإنه ولد سنة ١٥٠ هـ، ولكنه نشأ في بيئة عربية، وهي مكة، فيصح الاستشهاد بما يستعمله من الألفاظ.
قال الإمام أحمد:"كلام الشافعي حجة في اللغة"، وقال الأزهري في "إيضاح ما استشكل من مختصر المزني": "ألفاظ الإمام الشافعي عربية محضة، ومن عجمة المولدين مصونة".
وإذا عدنا إلى قول ابن خلدون:"وتدوين الأحاديث وقع في الصدر الأول قبل فساد اللغة العربية، وحين كان كلام أولئك - على تقدير تبديلهم - يسوغ الاحتجاج به"، وعرضناه على التاريخ، وجدنا التدوين وقع بعد أن دخل الفساد في اللغة، ولكن من المدونين من يحتج بأقواله؛ لأنه نشأ في بيئة عربية؛ كالزهري، ومالك بن أنس، وعبد الملك بن جريج، ومنهم من نشؤوا في بيئة غير عربية، أو عربية انتشر فيها الفساد، وصارت العربية الفصحى فيها إنما تدرك من طريق التعلم.
فدعوى أن الاحاديث دونت قبل فساد اللغة، وأن كلام المدونين لها يسوغ الاحتجاج به في اللغة، غير مطابقة للتاريخ من كل وجه، ولو تمت على نحو ما قرره ابن خلدون؛ لقامت لها الحجة الفاصلة على الاستشهاد بالحديث