والذي نستفيده من حقائق التاريخ: أن قسماً كبيراً من الأحاديث دونه رجال يحتج بأقوالهم في العربية، وأن كثيراً من الرواة كانوا يكتبون الأحاديث عند سماعها، وذلك مما يساعد على روايتها بألفاظها، فيضاف هذا وذاك إلى ما وقع من التشديد في رواية الحديث بالمعنى، وما عرف من احتياط أئمة الحديث، وتحريهم في الرواية، فيحصل الظن الكافي لرجحان أن تكون الأحاديث المدونة في الصدر الأول مروية بألفاظها ممن يحتج بكلامه.
وأما قول المانعين: إنه وقع اللحن في كثير من الأحاديث، فيجاب عنه: بأن كثيراً مما يرى أنه لحن قد ظهر له وجه من الصحة، وقد ألف في هذا الباب ابن مالك كتابه:"التوضيح في حل مشكلات الجامع الصحيح"، وذكر للأحاديث التي يشكل إعرابها وجوهاً يستبين بها أنها من قبيل العربي الصحيح، وكثيراً ما نرى ألفاظاً من الحديث ينكرها بعض اللغويين، فيأتي لغوي آخر فيذكر لها وجهاً مقبولاً، أو يسوق عليها شاهداً صحيحاً.
ثم إن وجود ألفاظ غير موافقة للقواعد المتفق عليها، لا يقتضي ترك الاحتجاج بالحديث جملة، وإنما يحمل أمرها على قلة ضبط أحد الرواة في هذه الألفاظ خاصة.
وإذا وقع في رواية بعض الأحاديث غلط، أو تصحيف، فإن الأشعار يقع فيها الغلط والتصحيف، وهي حجة من غير خلاف.
قال محمد بن سلام: وجدنا رواة العلم يغلطون في الشعر، ولا يضبط الشعر إلا أهله. وأبو أحمد العسكري الذي ألف كتاباً في تصحيف رواة الحديث، قد ألف كتاباً فيما وقع من أصحاب اللغة والشعر من التصحيف.