للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما قول أبى حيان: "إن المتقدمين من علماء العربية لا يحتجون بالحديث"، فأجاب عنه المجيزون: بأن علماء العربية في العهد الأول لم يتعاطوا رواية الحديث، فعلماء الحديث غير علماء العربية (١)، ثم إن دواوين الحديث لم تكن مشتهرة في ذلك العهد، ولم يتناولها علماء العربية كما كانوا يتناولون القرآن الكريم، وإنما اشتهرت دواوينه، ووصلت إلى أيدي جمهور أهل العلم من بعد، فإن سلمنا عدم احتجاجهم بالحديث، فلعدم انتشاره بينهم، لا لأنهم يمنعون الاحتجاج به. على أن كتب الأقدمين الموضوعة في اللغة لا تكاد تخلو من الاستدلال على إثبات الكلمات بألفاظ الحديث، واللغة أخت النحو كما صرحوا به.

وكذلك نرى الإمام اللغوي أبا منصور الأزهري المولود سنة ٢٨٢ هـ يعتمد في كتابه "التهذيب" على الأحاديث، ويكثر من الاستشهاد بها.

وأما ما ادعاه أبو حيان من أن المتاخرين من نحاة الأقاليم تابعوا المتقدمين في عدم الاحتجاج بالحديث، فمرود بأن كتب النحاة من أندلسيين وغيرهم مملوءة بالاستشهاد بالحديث. وقد استدل بالحديث الشريف: الصقلي، والشريف الغرناطي في "شرحيهما لكتاب سيبويه"، وابن الحاج في "شرح المقرب"، وابن الخباز في "شرح ألفية ابن معطي"، وأبن علي الشلوبين في كثير من مسائله. وكذلك استشهد بالحديث: السيرافي، والصفار في "شرحيهما لكتاب سيبويه". وقال ابن الطيب: "بل رأيت الاستدلال بالحديث في كلام


(١) من علماء العربية من كانوا يعدون في رواية الحديث؛ مثل: أبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر الثقفي، والنضر بن شميل المازني، والخليل بن أحمد، والقاسم ابن سلام، وعبد الملك بن قريب الأصمعي، والرياشي.