إلى هذا: قلة عدد من يوجد في السند من الرواة الذين لا يحتج بأقوالهم، فقد يكون بين البخاري ومن يحتج بأقواله من الرواة واحد، أو اثنان، وأقصاهم ثلاثة.
ومثال هذا النوع: أن الحريري أنكر على الناس قولهم قبل الزوال: سهرنا البارحة، قال: وإنما يقال: سهرنا الليلة، ويقال بعد الزوال: سهرنا البارحة. والشاهد على صحة ما يقوله الناس حديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أصبح، قال:"هل رأى أحد منكم البارحةَ رؤيا؟ "، وحديث:"وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: عملت البارحة كذا"؛ ففي قوله:"إذا أصبح، قال: هل رأى أحد منكم البارحةَ"، وقوله:"ثم يصبح فيقول: عملت البارحة" شاهد على صحة أن يقول الرجل متحدثاً عن الليلة الماضية، وهو في الصباح: سهرنا البارحة، أو وقع البارحة كذا.
وأما الأحاديث التي اختلفت فيها الرواية، فإنا نرى من يستشهدون بالأحاديث من اللغويين والنحاة لا يفرقون بين ما روي على وجه واحد، وما روي على وجهين، أو وجوه. ويمكننا أن نفصل القول في هذا النوع، فنجيز الاستشهاد بما جاء في رواية مشهورة لم يغمزها بعض المحدثين بأنها وهم من الراوي؛ مثل كلمة:"ممثل" وردت في أشهر رواية لحديث: "قام النبي - صلى الله عليه وسلم - ممثلاً"؛ أي: منتصباً، والمعروف في كلام العرب إنما هو ماثل من مثل؛ كنصَر وكرُم.
وأما يجيء في رواية شاذة، أو في رواية يقول فيها بعض المحدثين: إنها غلط من الراوي، فنقف دون الاستشهاد بها، ومثال هذا كلمة:"ناعوس" وردت في إحدى روايات حديث: "إن كلماته بلغت ناعوس البحر"، ووردت