للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مناسبة؛ أي: علاقة (١)، والعلاقة إما المشابهة، وهو مَبْنَى الاستعارة، وإما غير المشابهة، وذلك مبنى ما يسمونه: المجاز المرسل. وهذا المعنى الذي انتهت إليه كلمة المجاز هو ما نقصده بالبحث في هذا المقال.

* العلاقة:

تتبع علماء البيان الكلام العربي؛ ليتعرفوا وجوه العلاقات التي يراعيها العرب في نقل اللفظ إلى غير معناه على سبيل المجاز، فالمُّوا بها خُبرًا، وأحصوها عَدّاً، واختلفوا بعد هذا الاستقراء والضبط في موقف المولَّدين إزاء هذه العلاقات، فبعضهم ضيَّق عليهم الدائرة، وبالغ في تضييقها، فلم يبح لهم - ولو عند تحقق العلاقة - إجراء أي لفظ شاؤوا مجرى المجاز، وجعل حظهم من هذا الفن البديع لا يزيد على استعمال الألفاظ التي نطق بها العرب من قبل؛ كالأسد للرجل الشجاع، والغيث للنبات، واليد للنعمة، وهذا المذهب صريح في أن المولد لا يباح له نقل لفظ من معنى إلى معنى لم ينقله إليه العرب، وإن كان بين المعنيين علاقة من تلك العلاقات المقررة في فن البيان، فلا يستعير لفظ الغضنفر- مثلاً - للرجل الشجاع، إلا إذا ثبت أن العرب استعاروه له، كما استعاروا له لفظ الأسد، ولا يطلق لفظ المُدام على عصير العنب، مع تحقق العلاقة، وهي مصير العصير إلى أن يكون مُدامًا، إلا إذا ورد إطلاقه عليه في الكلام العربي، كما أطلق عليه لفظ الخمر في نحو قوله تعالى: {أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: ٣٦].


(١) وممن فسر المجاز بهذا المعنى: عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة ٤٧١ هـ، فقال في كتاب "دلائل الإعجاز": "وأما المجاز، فقد عول الناس في حده على النقل، وإن كل لفظ نقل عن موضوعه فهو مجاز".