وتسايرها في تقدمها، وتكون عنصراً من عناصر رقيها متى وقع زمامها في أيد تقودها بحزم وأناة.
ذلك أن الأحوال التي تطرأ على اللغة، أو التصرفات التي يراد إدخالها عليها، قد تكون من مقتضيات التطورات التي لابدَّ منها، وقد تكون أمراضاً تنذر بموتها، أو عيوباً تذهب بكثير من محاسنها.
تحدث الأستاذ عن علماء العربية، وجمعِهم للغة في صدر الدولة العباسية، وقال: إنهم أكملوا متن اللغة بالتعريب، وبتوسيع الاشتقاق بالقياس، وسايرت حركة الاجتهاد في اللغة حركة الاجتهاد في التشريع، وقال:"ثم أصيب العرب بالضربة الشنيعة في الأمرين، وهو إقفال باب الاجتهاد في التشريع، وباب الاجتهاد في اللغة".
ادعى بعض الفقهاء أن باب الاجتهاد مقفَل عندما أدرك الهممَ ضعف، وقلَّ في الناس من يدرس الشريعة دراسة تبلغ بصاحبها أن يكون مجتهدً، ولكن الراسخين في العلم - وإن ورثوا من السلف فتاوى وأقضية وأصولاً لاستنباط الأحكام - لم ينقطعوا عن الاجتهاد جملة، وكانوا لا يبالون أن يناقشوا أقوال أئمة المذاهب، ويتخيرون من بينها ما يرونه أرجح دليلاً، وأوفى برعاية المصلحة، ثم يطبقون على الحوادث المتجددة الأصولَ العامة، أو القواعد المذهبية الخاصة؛ كقاعدة المصالح المرسلة، وقاعدة سد الذرائع، وقاعدة رعاية العرف. واستمر الإفتاء والقضاء بفضل هؤلاء العلماء الذين يملكون أنظاراً مستقلة، جارين على منهج محفوف بعدل وسداد، ولعل كلمة إقفال باب الاجتهاد في الشريعة قيلت عندما تجاسر قليلو البضاعة في العلم على الإفتاء، وأفسدوا كثيراً من الأحكام بدعوى الاجتهاد.