للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأذكر أني كنت أنشات في تونس منذ أربعين سنة مجلة (١)، وقلت في أول عدد منها: "ودعوى أن باب الاجتهاد مغلق لا تُسمع إلا بدليل يساوي الدليل الذي انفتح به أولاً".

وأما الاجتهاد في اللغة، فلا أدري متى أقفل بابه، وما زال علماء العربية في القرن السادس والسابع والثامن يناقشون آراء المتقدمين، ويقررون آراء تخالف آراءهم؛ مثل: ابن مالك، وأبي حيان، وابن هشام، وهذا ابن تيمية - وقد أدرك صدراً من القرن الثامن - قد كتب مخطئاً سيبويه في عشرات من المسائل، وهذا كتاب "بدائع الفوائد" لابن قيم الجوزية عامر بمسائل خالف بها علماء النحو والصرف.

فإذا فقد الاجتهاد اللغوي في عصر أو في موطن، فلأن همم طلاب اللغة قعدت بهم عن أن يبلغوا مرتبة الاجتهاد في نحوها وصرفها.

ذكر الأستاذ: أنه وقع التحايل على فتح باب الاجتهاد في التشريع، وقال: "ولمالم تنجح هذه الحيل، كانت الضربة المخجلة، وهي إهمال التشريع الإسلامي، والاعتماد على التشريع الأوربي، إلا في حدود ضيقة؛ كالأحوال الشخصية".

لم يفصح قلم عن وجه التحايل، حتى نأخذ معه بأطراف الحديث عنه، ونستطيع أن نوافقه في عدم نجاحه، أو نخالفه، والذي أريد أن أقوله هنا: هو أن الاعتماد على التشريع الأوربي لم ينشأ عن فقد الاجتهاد في الأحكام الشرعية، وإنما نشأ من ناحية أن التصرف في شأن المحاكم وقع


(١) مجلة "السعادة العظمى" التي أصدرها الإمام في تونس عام ١٣٢٢ هـ. انظر كتاب: "السعادة العظمى" للإمام.