في أيدي أشخاص لم يعرفوا كفاية الفقه الإسلامي للقضاء، او عرفوا هذا، ولكن لابستهم خواطر اتجهت بهم إلى استبدال التشريع الأوربي بالتشريع الإسلامي، ونحن نعلم أن دولة شرقية أخلت محاكمها من الشريعة الإسلامية حين ذهب بعض زعمائها إلى الطرف الأقصى في محاكاة الأوربيين، ونعلم أن أمة أخرى استبدلت التشريع الفرنسي بالتشريع الإسلامي يوم كان رئيس وزارتها لا يؤمن بحكمة الشريعة الإسلامية.
قال الأستاذ:"وأما في اللغة، فكذلك نمت اللغة العامية على حساب اللغة العربية، واستعمل الناس في حِرفهم وصناعاتهم وحياتهم اليومية الكلمات التي يرون أنفسهم في حاجة إليها، ولو أخذت من اللغات الأجنبية محرفة". ثم قال:"ولو استمروا على ذلك، كانت نتيجة اللغة نتيجة التشريع، ولا علاج لهذا إلا فتح باب الاجتهاد؛ لأن إغلاقه كان هو الداء".
لم يكن سبب نمو العامية إقفال باب الاجتهاد في اللغة، وإنما سببه قلة التعليم، وعدم وجود جماعات تسارع إلى أن تضع لكل معنى يحدث اسماً يليق به، وتذيعه بين الناس، كما فعل أصحاب العلوم فيما سلف؛ إذ رأوا أنفسهم في حاجة إلى وضع مصطلحات للمعاني التي لم يسبق للعرب أن وضعوا لها أسماء، فكثرت المصطلحات في الفقه والنحو والصرف، والفلسفة والحساب، والطب، وغيره، قال الجاحظ يتحدث عن المتكلمين:"وهم نخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني، واشتقوالها من كلام العرب تلك الأسماء، وهم اصطلحوا على تسمية مالم يكن له في لغة العرب اسم، فصاروا في ذلك سلفاً لكل خلف، وقدوة لكل تابع". ثم قال: "وكماسمى النحويون، فذكروا الحال والظرف وما أشبه ذلك؛ لأنهم لو لم يضعوا هذه العلامات،