ولم يأتهم هذا الاضطراب إلا من هذه الواو الداخلة على المحذَّر منه، فقد اتفقت كلمتهم على أنها للعطف، مع أن معنى الصيغة ينبو عن ذلك نبواً كبيراً".
يأتي العرب عند قصد التحذير من المكروه بضمير المخاطب المنصوب، أو باسم مضاف إلى ضمير المخاطب المتصل، ويأتون بعده باسم المحذَّر منه مقروناً بالواو، فيقولون - مثلاً -: إياك والأسدَ، ويقولون: رأسَك والسيفَ. ومن الواضح أن إعراب هذين التركيبين لا يتم إلا بتقدير عامل في المنصوب، أعني: إياك في المثال الأول، ورأسك في المثال الثاني.
ولما كان المتبادر من الواو الواردة في الصيغة هو العطف، لاحظ النحويون في التقدير صحة معنى التحذير، وقد اختلفت عباراتهم في المقدَّر، فمنهم من راعى الاقتصاد في التقدير، فجعل العطف من قبيل عطف المفردات، وقدر فعلاً يصح تسليطه على المحذَّر والمحذَّر منه مع إفادة الغرض الذي هو التحذير، فقال: التقدير: إياك باعدْ (١) والشر، ويهذا التقدير يكون الإعراب قد أخذ حقه، ثم إن الذهن ينساق من طلب مباعدته لنفسه والشر إلى أن المراد باعد نفسك من الشر، وباعد الشر منك.
ومن النحويين من قصد إلى أن يكون المقدر أوضح دلالة على التحذير، فجعل العطف من قبيل عطف الجمل، وقدر لكل واحد من المنصوبين في الصيغة فعلاً، فقال: التقدير: إياك باعد، واحذر الشر.
(١) إذا قدر النحويون في الصيغة فعلاً، لا يريدون أن لفظ هذا الفعل متعين للتقدير، بل يصح تقدير ما كان موافقاً لذلك الفعل في المعنى ووجه الاستعمال من نحو التعدية واللزوم.