ومن قلَّب نظره في طرق الإيجاز في كلام العرب، ورآهم كيف يعتمدون على ظهور المعنى من الجمل، ولا يبالون حذف ما كان عمدة في الكلام أو فضلة، لم ير في حذفهم لفعلين في صيغة التحذير، واكتفائهم بالمفعولين، ما ينبو عنه المعنى نبواً كبيراً أو صغيراً.
وقد تكلم العرب بمثل هذا الضرب من الإيجاز، إذ قالوا: كلَّ شيء ولا شتيمةَ حُر، والتقدير: اصنع كل شيء، ولا ترتكب شتيمة حر، وقالوا: أهلَك والليلَ، والتقدير: ألحق أهلك، وبادر الليل.
والتقدير الصحيح المقبول ما كان مطابقاً لأصول اللغة، ملائماً للغرض الذي يرمي إليه المتكلم، غير زائد على قدر الحاجة.
إذا اختلفت عبارات النحويين في المقدر في صيغة التحذير، فإن من تلك المقدرات ما نجده مطابقاً لأصول اللغة، مؤدياً معنى التحذير، مقتصراً فيه على قدر الحاجة.
وإن كان اختلاف النحويين في الألفاظ المقدرة في التحذير يعدّ اضطراباً كبيراً، فسترى أن كاتب المفال لم يفعل شيئاً سوى أن زاد في طين هذا الاضطرابِ بلَّة.
قال كاتب المقال:"والحقيقة أن الواو في قولك: إياك والشر، ليست للعطف كما فهم النحويون؛ لأن واو العطف تقتضي دخول المعطوف في حكم المعطوف عليه، فيكون العامل في المعطوف عليه بحيث يصح تسليطه في اللفظ والمعنى على المعطوف".
قد عرفت أن الذين يجعلون صيغة التحذير من قبيل عطف المفردات يقدرون عامل النصب في المعطوف والمعطوف عليه لفظ: باعدْ، ونحوه،